الإنسان يكتشف لأول مرة كائناً قام بتغيير حمضه النووي وأصبح مختلفاً
بكتيريا تقتات من الزرنيخ القاتل وتبقى حية
كل الكائنات الحية على الأرض، من إنسان وحيوان ونبات وبكتيريات متنوعة، مما نراه ولا نراه، يجمعها قاسم سداسي مشترك واحد تعتمد عليه لبناء الجزيئات الكيماوية في حمضها النووي (DNA) وهي 6 عناصر تنشأ بموجبها الحياة.
والعناصر الستة هي: الكاربون والهيدروجين والنيتروجين والأوكسجين والكبريت والفوسفور، المتأصلة كذرات غازات وعناصر طبيعية في جذور الحياة المتبرعمة بسببها في كل كائن مهما كان نوعه أو حجمه، حتى ولو فيل ضخم أو بكتيريا منسية لا يمكن رؤيتها إلا بمجهر إلكتروني متطور، فكل ذي نفس حية مكون الشكل والنوع منها معاً.
لكن مخلوقاً مجهرياً لا يرى بالعين المجردة نسف هذه المعادلة كلها تماماً، وأثبت أن الأساس في بنية الحياة وشكلها ونوعها ليس محصوراً بهذه العناصر فقط، بل يمكن للحياة أن تكون لها "تركيبة مختلفة"، وهو ما صدر عن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) الخميس 2-12-2010 خلال مؤتمر صحافي دعت إليه في مقرها بواشنطن، وفيه أعلن فريق مختص بعلم الأحياء الفلكي، المعروف باسم Astrobiology بالانجليزية، عن اكتشافه لبكتيريا مختلفة القاسم المشترك الباني لحمضها النووي، بل هي التي قمنت بتغييره.
وقد تابعت "العربية.نت" عبر بث مباشر لقناة "ناسا" التلفزيونية أمس وقائع المؤتمر الصحافي عن اكتشاف البكتيريا التي سموها GFAJ-1، وقالوا إن تركيبة حمضها النووي تختلف عن أي تركيبة على الأرض، لأنها استطاعت استخدام عنصر جديد لبنائها، كما وللبروتينات والأغشية الخليوية، باستبدالها الفوسفور بالزرنيخ، فبدلاً من أن تموت لخسارتها أحد مركباتها الأساسية، فإنها ظلت حية بعنصر آخر من المفروض أن يقضي عليها لأنه سام قاتل، وهو الزرنيخ، أي أنها تحولت الى "كائن زرنيخي" يقتات ويعيش على الزرنيخ تماماً.
والزرنيخ عنصر طبيعي في الأرض، ومن أوسع سمومها استخداماً في قتل الآخرين، وهي سمعة اكتسبها من تميزه عن سواه، فمركباته تكاد تكون بلا طعم ولا رائحة أو لون مميز، لذلك يسهل خلطه بالأطعمة والمشروبات من دون أن يثير الشك. كما أن أعراض التسمم به تبدأ بعد فترة تطول الى حد يبتعد فيه الجاني عن ضحيته، إضافة أن أعراضه شبيهة بأعراض الأمراض المعوية بحيث لا تثير شكاً لدى الطبيب المعالج. ومن يقرأ عن نابليون بونابرت سيجد من يقول إن متآمرين دسوا الزرنيخ في طعامه على مراحل وهو منفي بجزيرة "سانت هيلينا" حيث لفظ فيها أنفاسه الأخيرة.
كما على الأرض كذلك في الفضاء
بحيرة مانو
ويعني الاكتشاف أنه إذا كان بإمكان القاسم المشترك أن يتنوع في الحمضيات النووية على الأرض، فيمكنه أن يتنوع كذلك في الفضاء الذي يبحر اليه الأكاديميون كل يوم بحثاً بالمناظير والمختبرات عن الشكل التقليدي المعروف للحياة من خلال درسهم لها على الأرض مروراً بأسئلة محيّرة عن أصلها وكيف نشأت وعلى أي نوع من الكواكب يمكن العثور عليها وإلى أين تمضي الحياة أصلاً في مسيرتها كأهم مظاهر الوجود.
لذلك وصفت وكالة الفضاء الأمريكية الاكتشاف بأنه سيغيّر من علم الأحياء الفلكي وبأنه "حياة لا نعرفها" وهو تعبير استخدمته خلال المؤتمر قائدة الفريق العلمي، فليس وولف سايمون، لأن البكتيريا التي تم العثور عليها في أعماق بحيرة "مونو" بولاية كاليفورنيا الأمريكية قادرة على بناء أجزاء منها من عنصر ليس موجوداً في أي مخلوق، فأصبحت لهذا السبب كائناً مختلفاً.
كما شرحت عالمة ثانية بعلم الأحياء الجغرافية، هي باميلا كونراد، أن الاكتشاف يشكل ظاهرة استثنائية وقارنته بمسلسل Star Trek للخيال العلمي، حيث يتم فيه اكتشاف حياة مبنية تركيبتها على أساس "السيلكون". لذلك قالت إن هذا الاكتشاف "سيغير أسلوب البحث عن الحياة في الكون" وفق تعبيرها.
ومن المتحدثات أيضاً في المؤتمر الصحافي كانت، ماري فويتك، وهي مديرة لبرنامج علم الأحياء الفلكي في "ناسا" فقالت إن الفضاء سيشهد من الآن فصاعداً باحثين عن الحياة فيه مختلفين عمن كانوا يبحثون عنها كمظهر تقليدي موحد "فالحياة مع الاكتشاف الجديدة ليست واحدة في الكون بالتأكيد، بل هناك أشكال وأنواع مختلفة من الكائنات ان تم العثور عليها"، كما قالت.
كبير أقمار زحل مؤهل أكثر من سواه
وكان الباحثون عن الحياة في الكواكب الأخرى يجهدون للعثور على مقوماتها كما هي على الأرض، كأن يجدوا غاز الأوكسجين مثلاً في جو كوكب، أو العناصر الستة في جو وتربة كوكب آخر، أما الآن فالبحث سيجري مثلاً عن الزرنيخ بعد التأكد من أنه يصلح ليكون جزءاً من التركيبة الناسجة الحمض النووي لكائن حي.
وكان فريق العلماء استخرج وحولاً من قاع بحيرة "مونو" بكاليفورنيا، وهي بحيرة مياهها مالحة 3 مرات أكثر من البحر العادي ومعروفة أيضاً بغنى قاعها بمادة الزرنيخ، وعثر على البكتيريا ضمنها، فاستخرجها للتجارب في المختبرات حيث ثبت بعد وضعها في وسط غني بالزرنيخ أنها راحت تعيش عليه وتقتات منه، ما حمل الفريق على فحصها بأشعة أكس وصولاً الى تركيبة حمضها النووي، فوجدوه خالياً من الفوسفور الذي استبدلته البكتيريا بالزرنيخ وراحت توالد منه مباشرة.
وأحد من وصف الاكتشاف الجديد بأنه "قفزة هائلة لاكتشاف حياة خارج الأرض" هو عالم الأحياء الأمريكي، روبرت غونسالوس، والذي قال إنه يتحتم على العلم مستقبلاً أن يضع هذا النوع من البكتيريا كرابع كائن حي على الأرض بعد الإنسان والحيوان والنبات، ومنه يمكن البحث عن مثيل له في كواكب المجموعة الشمسية وأقمارها.
وأكثر ما يثير اهتمام علماء "ناسا" في المجموعة الشمسية حالياً هي بكتيريات وأوليات حياتية بدائية يمكن أن يكون تم رصد مؤشرات عنها في جو قمر "تيتان" المعروف بأنه أكبر أقمار كوكب زحل ذي الحلقات، لأنهم يعتبرونه مهيأ أكثر من سواه لوجود التبرعم الكيماوي البيولوجي الموزع عناصر الحياة المعروفة بتفاصيلها على الأرض.
المصادر :
http://www.alarabiya.net/articles/20...03/128314.htmlhttp://www.engadget.com/2010/12/02/n...life-broadens/